• contact@mna.ma
  • 05.22.48.01.84
مراكش،23 شوال 1429 ه، الموافق 23 أكتوبر 2008م

الرسالة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ملك المغرب الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر التاسع عشر للفيدرالية الدولية للممثلين

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله واله وصحبه
السيدات والسادة مسؤولي الفيدرالية الدولية للممثلين،معشر الأعضاء المشاركين، في المؤتمر التاسع عشر للفيدرالية، حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نتوجه إلى مؤتمركم الهام، لما نوليه من بالغ العناية والاهتمام، بشؤون الثقافة والفن، بصفة عامة وكذا اعتبارا منا للمكانة المتميزة، التي تحضى بها هيأتكم الموقرة، بصفة خاصة.
ونود الإشادة باختياركم المغرب، لعقد مؤتمركم الدولي التاسع عشر. لما لذلك من دلالة، على ما يحظى به لديكم من تقدير، لتاريخه العريق. ولشخصيته الوطنية الغنية، بتعدد وانصهار روافدها. ولتنوع نسيجه الثقافي : من أمازيغي وعربي – إسلامي،وصحراوي- إفريقي ،وعبري-يهودي، وأندلسي – متوسطي وعالمي معاصر. فضلا عن التعدد اللغوي للأمة المغربية، و غناها التراثي، بتعبيراته الفنية الخلاقة. وفي مقدمتها فن التمثيل بأنواعه، المسرحي، والسينمائي. والتلفزيوني، والإذاعي ومختلف أوجه التشخيص الفرجوي.
إنه المغرب الذي نحرص وكافة القوى الحية للأمة ومن بينها أهل الفن والإبداع والتمثيل، على مواصلة ترسيخ هويته والحفاظ عليها. ليظل دوما بلد الانفتاح على الثقافات.
والحضارات الإنسانية، و الحضور الدولي الفاعل، في نشر قيم المحبة والسلم و التسامح.
وان التئام جمعكم بمراكش الحمراء، يتيح لكم فرصة سانحة للوقوف بالملموس، على هذه الخصائص، بمدينة اشتهر أهلها، عالميا بالإبداع وخفة الروح، والإمتاع والمؤانسة، والبهجة وحب الحياة. حتى لكأن أبناءها فنانون بالفطرة.
وما فضاء “جامع الفنا ” بمراكش، إلا دليل على قوة هذه الموهبة، وهذا التراث في تعبيره عن صناعة الفرجة الشعبية، القائمة على العفوية والبداهة . مما حدا بمنطقة اليونسكو إلى اعتباره تراثا شفويا إنسانيا.
وان انعقاد مؤتمركم في ضيافة بلدنا، وبرعاية جلالتنا، وبين زملائكم الممثلين المغاربة، لهو تأكيد منا على التقدير الكبير،
الذي نكنه لمنظمتكم العالمية الوازنة. إدراكا منا لطبيعة رسالتها النبيلة. وما تتمتع به من سمعة وبعد صيت. فضلا عن الترابطات النوعية لأهدافها مع عدد من مؤسسات المنتظم الدولي، باعتبارها منظمة دولية غير حكومية.
متميزة بمهدافيتها المشهودة، واستقلالها البناء.
كما نثمن الجهود الدؤوبة، التي مافتئت تبدلها فيدراليتكم، من اجل الارتقاء بمهن التمثيل والفرجة. لما فيه خير نصرة القيم الإنسانية المثلى، وعملها على مناهضة كل الأشكال الإقصاء، والميز الاثني والثقافي، والديني والجنسي واللغوي.
وفي هذا الصدد، فإن التئام هذا المؤتمر، على ارض المغرب، ليجسد تجاوبكم الهادف، مع التوجه العالمي، نحو الإنصات لصوت جنوبه، والانفتاح والتفاعل، بروح التقدير والإنصاف، مع ما تبذله شعوبه. وما تراكمه في إثراء المتخيل الإنساني الحديث، من قيم و تعبيرات وإبداعات جديرة بكل اعتبار.
معشر الممثلات والممثلين المبدعين،
حضرات السيدات والسادة،
إن النهوض بفن التمثيل، يتبوأ مكانة الصدارة في النهضة الثقافية، التي تشهدها بلادنا.
وفي عملنا على بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، فان الحريات الواسعة التي يكفلها، والمبادرة الخاصة، التي يجعها، والإبداع المتميز، الذي يدعمه، لتعد كلها المقومات الأساسية لخلق الجو الملائم للعطاء التمثيلي المبدع .
وهو ما يجعل الممثل يجسد المواطنة الكريمة والملتزمة، قبل أن ينشدها لغيره ويشخص دور ضمير أمته وعصره، بأساليب فنية. ويعبر عن قضايا وطنه، دون شوقينية، وعن التطلعات الشعبية، وهموم جماهيره، بعيدا عن السقوط في الابتذالية، مقدما أروع مثال عن الفن الراقي، والتمثيل الملتزم، قبل كل شيء بقواعد وأخلاقيات مهنته.
وضمن هذا المنظور، سرنا على خطى والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، في الرعاية والعناية بالحياة الفنية، وبشؤون الفنانين. وبالأخص منهم الذين يمارسون التمثيل المسرحي والتشخيص السمعي البصري . فرسخنا مكاسب الدعم المسرحي والسينمائي، ودعم الكتاب والمنتجات السمعية البصرية.
كما حرصنا على أن تتوفر بلادنا على قانون للفنان، بكل ما يقتضيه ذلك من تمكينه من بطاقة مهنية، تخول له عددا من الحقوق ، بما فيها التغطية الصحية، وضمان شروط وأسباب كرامته علاوة على مبادرتنا بإحداث أول تعاضدية وطنية، لفائدة الأسرة الفنية المغربية.
وفي سياق أشمل، بادرت بلادنا إلى اعتماد جملة من الإصلاحات القانونية ، الخاصة بالملكية الفكرية والأدبية. وقد همت
تمديد حماية المصنفات الأدبية والفكرية. وكذا تشديد إجراءات حماية الإبداع الفني، من القرصنة والتقليد.
وفي إطار الوفاء بالتزاماتنا الدولية في مجال حماية وتعزيز التنوع الثقافي، صادق المغرب على الاتفاقية الدولية للتنوع الثقافي.
وقد أقدمنا على ذلك، إيمانا منا بأهمية هذه الآلية في ضمان تعدد أشكال التعبير الثقافي، والانفتاح المتفاعل مع الثقافية والاجتماعية، خاصة في هذه الظرفية، التي تطبعها عولمة كاسحة. وفي نفس السياق بادرنا إلى تحرير الفضاء السمعي البصري، وإحداث الهيأة العليا المشرفة علية،
واعتماد دفاتر تحملات من شأنها تيسير وتنظيم آليات من شأنها تيسير وتنظيم آليات دمقراطة هذا القطاع.
كما عملنا على توفير شروط وبنيات تحتية لتطوير صناعتنا الفنية والثقافية،وانفتحنا على الإنتاج السينمائي الخارجي.
فأصبحت بلادنا قبلة أثيرة لكبار المنتجين والمخرجين العالميين، لما لمسوه في المغرب، من عناية بهذا القطاع. وما وفرناه من ضمانات استثمارية، وإمكانيات لوجيستيكية، و طاقات بشرية.
والواقع أن ما بذله المغرب، من جهود، حتى الآن لتطوير حقوله الفنية، وما راكمته الدولة من رعاية فنية واجتماعية وصحية، يبقى دون ما نطمح إليه، من مزيد الإنصاف للفنان المغربي، الذي كان دائما وما يزال فيصلب المشروع الثقافي الوطني الحداثي.
وإننا لمعتزون أيما اعتزاز، بما يسهم به مواطنونا الفنانات والفنانون المبدعون، الرواد منهم والشبان، من ترسيخ قيم الوطنية والمواطنة ، وإثراء الشخصية المغربية.
كما تشيد بما يجسدونه من إحساس بنبض الشعب وتطلعاته وانشغالاته. وذلك من خلال الإنتاجات الوافرة ، من فنون الفرجة والتمثيل، التي تستمد جذورها من واقع المجتمع.ومما يتوفر ببلادنا من شروط التعبير الفني التلقائي الحر.
ونغتنمها مناسبة لنرحب بضيوف المغرب من كبار الممثلين والمبدعين.متمنين لهم مقاما طيبا في مراكش الحمراء، الفخورة باحتضان ملتقاهم.
وإننا لعلى يقين بان روح المغرب، خلاقة ستكون ملهمة لنقاشتكم المثمرة حول قضايا التنوع الثقافي ومكاسب الحركة الفنية والإبداعية في العالم.وكذا شروط تأهيل مهنتكم النبيلة، وعنايتكم بتيسير حبل رواج الفنون ، وتنقل الفنانين بين الشمال والجنوب. باعتبار ذلك من صميم حقوق الإنسان. ومبعث حرية للفنان ، وللممثل في أي زمان ومكان.
والله تعالى نسأل أن يكلل أشغال مؤتمركم بالنجاح والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

محمد السادس

ملك المغرب